الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٨ م .. ٣ برمهات ١٧٣٤ ش.
صفحة جديدة في التاريخ … مقتطفات من حوار قداسة البابا تواضروس الثاني مع صحيفة “عاجل” السعودية.
1- كيف ترى زيارة ولي العهد إلى الكنيسة؟
– زيارة ولي العهد كانت فرصة طيبة؛ حيث استقبلناه بكل الحب والحفاوة، وأنا شخصيًا كنت سعيدًا جدًا بزيارته، أعرفه من خلال وسائل الإعلام فقط؛ لكن حينما قابلته وجدته إنسانًا لطيفًا ومتفتحًا مثقفًا، وصاحب رؤية وهو شيء جيد، كما أنه قارئ جيد للتاريخ، يعرف تاريخ المصريين، والدليل على ذلك أنني قلت في نهاية الزيارة المثل المصري المعروف “البعد جفا”، ولم أكن أعلم أن سمو الأمير يعرفه، ليرد عليّ قائلًا، إن كل الأمثال المصرية معروفة في المملكة.
تحدثنا كثيرًا، في الزيارة التي كانت قصيرة زمنيًا، نحو عشرين أو ثلاثين دقيقة؛ لكنّ تأثيرها كان كبيرًا وفعلها طيبًا.
2- كيف ترون دعوة ولي العهد لكم لزيارة السعودية؟
– في أثناء كلمتي مع ولي العهد، قلت إن واحدًا من الآباء الأساقفة وهو الانبا مرقس زار السعودية منذ سنتين، وسط وفد شعبي مصري وتقابل مع خادم الحرمين الشريفين؛ لكن الفترة الأخيرة، لم تكن هناك “فيزا”، فعرض عليه سمو ولي العهد زيارة السعودية ، وفي نهاية الحديث وجه دعوة عامة، قائلًا، “نحب أن نراكم في السعودية”.
3- بعض وسائل الإعلام بدأت تُخمن موعدًا للزيارة؟
– في الزيارات الرسمية، هناك شكل من أشكال حديث المجاملة.. هذا ما حدث، فولي العهد وجه الدعوة شفاهة، وحينما تكون هناك دعوة لها صيغة رسمية سنلبيها. نحن نرحب بزيارة أي مكان؛ لكن الموعد يرتبط بالدعوة الرسمية، فأنا زرت الإمارات والكويت والأردن ولبنان وسوريا وليبيا والسودان والجزائر.
4- كيف ترى التقارب بين المسلمين والمسيحيين، ودور السعودية في ذلك؟، ثم ما هي رؤيتكم لحوار الأديان الذي بدأ منذ عهد الملك عبد الله ومازال مستمرًا حتى الآن؟
– نحن نشارك بفعالية في حوارات مركز الثقافات في فيينا مع الدكتور فيصل بن معمر، فالكنيسة لها دور كبير هناك وطبيعة الحياة أن يكون هناك تنوع.
وهنا أوضح أن التنوع ليس اختلافًا، فكل منا يرتدي زيًا مختلفًا، يوجد تنوع يعطي جمالًا للحياة، ولو دخلنا حديقة ووجدنا ألوانها بشكل واحد وطولها موحد لن تكون الأمور على ما يرام، لكن لو دخلنا حديقة متنوعة فهذا يضيف شيئًا من البهجة على الإنسان.
الله يعطينا صورة التنوع في أصابع يدينا فكل إصبع مختلف عن الآخر.. التنوع سنة الحياة، ولذلك أقول إن التقارب من أجل التكامل شيء مهم جدا، فكل إنسان حينما يعرف آخر فهو إضافة له وهو ضرورة للحياة.
وحينما ينظر الإنسان للحياة بهذه الصورة، يشعر أن هذا سبيل لينجح في حياته ويكون غنيًا بالمعرفة، وهذه نقطة مهمة وأعتقد أن الحوار بين الثقافات والحضارات شيء نحتاجه تمامًا.
5- هل الحوار بين الحضارات مجرد معرفة أم أمر تُبنى عليه أسس للتعايش؟
– الحضارات بينها عوامل مشتركة، فمثلا الحضارة القديمة الفرعونية والحضارة المصرية والحضارة الصينية والحضارة المسيحية، والحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، كلها وغيرها بينها قواسم مشتركة، فالإنسان هو الإنسان وهو من صنع تلك الحضارات.
صحيح أنه يوجد بين هذه الحضارات بعض الاختلافات؛ لكن هذا أمر طبيعي وقائم حتى في البلد الواحد، ففي أيام الفراعنة كنا نتكلم الفرعونية، وفي العصر المسيحي كنا نتكلم اليونانية والقبطية، وفي العصر الإسلامي نتكلم العربية، وبالتالي الحضارات بينها عوامل مشتركة كثيرة، ومن الممكن أن نبني عليها.
– قبول الاختلاف وقبول الآخرين بما هم عليه، فهذا الشكل هو البداية للتواصل بين الحضارات.
7- نعود إلى جهود ولي العهد ومن بينها زيارته إلى “المقر البابوي” كيف ترون تأثير ذلك كله على صورة السعودية؟
– الملاحظ في الفترة الأخيرة، أن هناك خطوات واسعة جدًا، قرارات ملكية تصدر وتمثل إضافات للمجتمع السعودي نسمع ونقرأ عنها أشياء كثيرة. هذا عالم نعيش فيه، فلا يمكن أن تعيش دولة أو ثقافة أو حضارة أو أديان في معزل عن الآخرين، فبحسب ما نقرأه في الميديا نندهش وهناك حالة إعجاب بالتغييرات التي تضاف إلى المجتمع السعودي والتي يمكن أن نسميها “تغييرات عصرية”، تتناسب مع العصر الحالي، وهذا يقدم صورة رائعة للسعودية.
٨ – إلى أي مدى ينقذنا الانفتاح من خطر الإرهاب؟
– الإرهاب لا ينمو إلا في الجحور فلا وجود له على السطح، فإن كشفت الجحر وأخرجت ما به من ثعابين، يكون فيه نهاية للخطر، كما أن وجود الثقافات الكثيرة والمتعددة، يفيد الإنسان بلا شك. كما يحتاج الإنسان إلى عناصر غذائية متنوعة لبناء صحته، يحتاج كذلك إلى ثقافات كثيرة لبناء حياته الإنسانية.
9- ما دور المؤسسات الدينية (إسلامية، مسيحية) مصرية أم سعودية في مكافحة الإرهاب، ورسالتكم إليها؟
– المؤسسات الدينية الثقافية أو التعليمية بصورة عامة، يجب أن تُعلَّم وتنتج إنسانًا لكي يكون إنسانًا في المقام الأول، ذلك إنك لو زرعت بذرة خاطئة في البداية ستنبت فكرًا شيطانيًا، لذا أقول دائمًا إن مدرس المرحلة الابتدائية هو أخطر إنسان في أي مجتمع؛ لأننا نضع بين يديه أولادنا (المادة الخام لنا). نقول له خذ هذه المادة، وشكلها لتخرج إنسانًا في المجتمع، وبالتأكيد المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية، يجب أن يكون بينها نوع من التكامل العملي لتخرج إنسانًا سويًا، فحينما يخبو هذا الدور أو يقل ليأخذ بعدًا سياسيًا، أو يؤثر عليه العامل الاقتصادي تكون النتيجة غير مرضية، فمثلًا الحالة الاقتصادية في مصر تجعل بعض الفصول كثافتها الطلابية كبيرة، ما يضعف العملية التعليمية، وهكذا…
10- بذكر الإرهاب.. لماذا تستهدف الجماعات الإرهابية الكنائس؟
– بالنسبة لمصر، تركيبتها السكانية قائمة على وحدة تاريخية طويلة بين المسلمين والمسيحيين عمرها تجاوز 14 قرنًا، وهذه الوحدة قائمة على نقطتين أساسيتين، أن كل المصريين يقطنون حول نهر النيل، ويعيشون على الأراضي التي بجوار النهر، فيعتبرون النهر هو الأب، والأرض التي نأكل منها هي الأم، فكل المصريين أبوهم النيل وأمهم الأرض.
هذا الترابط خلق نوعًا من الوحدة والترابط الشديد جدًا، فإلى الآن في مجتمعنا المصري الذي يضم 85 مليون مسلم و15 مليون مسيحي، نتكلم كلمات تعود إلى عصر الفراعنة، ومن العصر القبطي، يعني مثلا “الفوطة” كلمة ليست عربية؛ لكنها قبطية في الأصل، وعندنا في مصر، حي مشهور اسمه حي شبرا ، وهو في الأصل كلمة قبطية تعني “المزرعة”، وهناك أيضًا شبراخيت (مزرعة الشمال) وشبرامنت ( مزرعة الجنوب)… أكثر من ذلك، كلمة، وأنت في القاهرة “فلافل” التي تُطلق على ساندويتش الطعمية، تعود إلى أصل قبطي.
المقصد أن هناك تلاحمًا شديدًا في مصر بين الأقباط والمسلمين، ليس له مثيل في العالم؛ لأن النيل والأرض هما سبب تلك الوحدة القوية، ولذلك ندرك- نحن المصريين- أن استهداف الكنائس عن طريق الأعمال الإرهابية، موجه للوحدة الوطنية. وهذه الوحدة عندنا تأتي قبل كل شيء، وقد قلت في ذلك عبارتي الشهيرة، “وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن”، فالوطن ووحدتنا ووجودنا معًا هو الهدف الأسمى.
11- الرئيس عبد الفتاح السيسي يقدر كثيرًا مواقف الكنيسة، ويضعها في مقدمة الصف في مواجهة الإرهاب، فكيف ترى الإرهابيين الذين يفجرون المساجد أيضًا؟
– الإرهاب لا يستهدف المسجد بصفته أو الكنيسة بصفتها؛ لكنه يضرب الوحدة الوطنية، والتلاحم الشديد في مصر؛ ولأن الرئيس السيسي يدرك هذه النقطة، دائمًا يقول، أنا رئيس مصري لكل المصريين. كما أنه يؤكد باستمرار أنه مصري أولًا وأخيرًا، وهناك مقولة شهيرة له ومعبرة “طول ما احنا واحد هنقدر نهزم الإرهاب”.
نحن نعرف أن الوطن هو المستهدف، ولذلك تكون الهجمات أولًا ضد الجيش والشرطة باعتبارهما (القوة الصلبة لوطننا)، ثم ضد المسجد والكنيسة (القوة الناعمة).
12- كيف ترى دور الأديان في مواجهة الإرهاب؟ وهل يمكن تفعيل هذا الدور ليشمل بلدانًا تعاني النزاعات والتمييز الديني؟
وكيف يمكن للتلاحم السعودي- المصري أن يساعد في ذلك؟
– علمونا في صغرنا عبارة “الاتحاد قوة”، فالتفرقة ضعف، ولذلك، التقارب بين مصر والسعودية قوة، التقارب بين الدول العربية قوة، التقارب في العالم الإسلامي قوة، التقارب المصري مع إفريقيا قوة، التقارب العالمي قوة، المشكلة التي نواجهها هي الفرقة.
يمكن ملاحظة ذلك في “السوشيال ميديا” التي تقوم على التفريق، فهي لا توحد؛ لكنها تسعى لتفريق الناس عن بعضها، هذا الخطر مصدره في طريقة فهمنا للآخرين، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي، وكذلك على مستوى الدول، وهذا يؤدي إلى نشوب الحروب.
أيضًا؛ علينا أن نتذكر أن المنطقة العربية مطمع، فمثلا ما يحدث في سوريا التي نشبت الحرب فيها منذ 7 سنوات، أسأل نفسي، كلما تابعت الوضع هناك: من يقاتل من، وأي فريق يقاتل أي فريق؟؛ لكنني إلى الآن لا أجد إجابة عن هذا التساؤل، ولا أعرف ما الهدف من هذه الحرب؟
زرت سوريا وهي بلد أحبها، والمآسي الإنسانية التي نراها، من تشريد للشعوب، شيء مخجل، مؤلم، الناس في الشوارع لا مأوى لهم، لا يجدون حبة دواء واحدة، فأحيانًا حينما أسمع الأخبار في أي قناة تليفزيونية، وأشرب كوبًا من الشاي، أشعر بالألم لأن هناك من لا يجد هذا الكوب أو حبة دواء تقيه الصداع (أقل الأشياء التي يسعى إليها الإنسان).
13- بعض الدول لديها محاولات لفرض نفوذ، دون النظر إلى البعد الإنساني الذي يشير إليه الخطاب السعودي والمصري، كالوضع في اليمن، وليبيا وسيناء أيضًا، كيف تراها؟
– زرت ليبيا أكثر من مرة، وعشت فيها شهورًا، ولنا كنائس قبطية هناك، وكان هناك مصريون أقباط، فليبيا بلد جميل، كنا نقضي وقتًا ممتعا فيها خلال زيارة الآثار، هي بلد فيها بعض الحدائق وشبكة طرق جيدة؛ لكن كل هذا لا وجود له الآن، نتيجة الصراعات التي تعيشها.. ليبيا بلد غني وعدد سكانه ليس كبيرًا، أي فيها كل المقومات التي تجعل شعبها يعيش في رفاهية؛ لكن ماذا يحدث؟ طبعًا، التدخلات تحدث حينما نكون في حالة ضعف وتشرذم؛ لكن لو كنا أقوياء لما استطاع أحد التدخل.
14- إذن؛ كيف ترى الحل الأمثل لتجاوز حالة الضعف العربي الحالية؟
– بالعمل معًا، بالتقارب مع بعض، نؤمن بالاختلاف وقبول الآخر، نؤمن بأن أصابع أيدينا تقدم لنا رسالة كل لحظة أننا مع تنوعنا يجب أن نعمل معًا، فهذه الصورة مهمة جدًا لنا، وأنا أرى، أن التدخلات السياسية الكثيرة أحيانًا تفسد الأمور. لست سياسيًا لأحكم على تلك النقطة؛ لكن الشعوب تريد أن تحيا، فكلنا لدينا أبناء نريد تربيتهم ونخرجهم أفضل منا، نريد للأجيال الجديدة أن تكون أعظم، نريد أن تقدم لأولادنا أفضل حياة وأفضل خدمة، من صحة جيدة وتعليم متميز، فهذا هدف كل الشعوب، وهذا لن يتحقق إلا بتحمل كل منا مسؤوليته التي تقتضي بقبول الآخر.
15- ما دور الكنيسة المصرية في مسألة السلام بالشرق الأوسط؟ وكيف ترون طريقة حل القضية الفلسطينية؟
– القضية الفلسطينية هي الشاغل الأول لدى المصريين، فنحن دولة جارة لفلسطين أولًا. ومن الناحية القبطية، السيد المسيح ولد في فلسطين وجاء إلى مصر وعاش فيها 3 سنوات و6 أشهر، فيما يُسمى رحلة العائلة المقدسة، كما أن هناك مطرانًا قبطيًا في القدس منذ قرون، لنا كنائس، لنا أديرة، لنا رهبان، لنا راهبات، لنا كهنة، لنا شعب هناك.
أيضًا؛ هناك مقدسات إسلامية ويهودية في مدينة القدس التي يعني اسمها (أورشليم) مدينة السلام الذي لم تنعم به عبر تاريخها الطويل الممتد إلى 3 آلاف عام إلا 30 سنة فقط، وباقي السنوات كلها حروب.
بالنسبة للحل أقول إنه لو ظل الإنسان يتحدث في كل الماضي لن يتحرك خطوة؛ لكن لكي نخرج من دائرة الحرب، دائرة العنف، دائرة عدم قبول أو الاعتداد على الآخر، يجب أن نتوقف أولًا عن تلك الممارسات لنبدأ صفحة جديدة، فحينما تقرأ كتابًا وتجد كلامًا صعبًا في صفحة معينة، تغيرها إلى أخرى جديدة.
يجب أن تكون البداية لحل مشكلة صعبة كفلسطين عمرها نحو 70 عامًا، بالمفاوضات والحوار، الذي يجب أن تكون أطرافه على استعداد لقبول الآخر.
وكما تعلمون ، فإن من يجلس على مائدة المفاوضات واحد من اثنين، إما صانع سلام (Peacemaker) أو مسببًا للتوتر (Trouble maker) الثاني يجلس لكي يتشاجر معك، مهما تقل أو تحاول كي تقنعه لن يقبل، فهذه مهمته؛ لكن الأول يجلس ويفتح ذهنه مستعدًا للحل ولقبول الآخر.. مثال ذلك؛ حينما عقدت مصر معاهدة كامب ديفيد منذ أربعين سنة، أنقذت سيناء، وهذا يؤكد أن الحوار بقلوب وعقول منفتحة هو السبيل الوحيد لحل المشكلات الصعبة.