في اليوم الثلاثين من شهر برمودة من سنة (68م)، استشهد الرسول العظيم القديس مرقس الرسول، كاروز الديار المصرية وأول باباوات الإسكندرية وأحد السبعين رسولاً كان أسمه أولاً يوحنا كما يقول الكتاب: “ان الرسل كانوا يصلون في بيت مريم أم يوحنا المدعو مرقس” (أع12:12). وهو الذي اشار إليه السيد المسيح له المجد بقوله لتلاميذه: “اذهبوا الى المدينة إلى فلان وقولوا له. المعلم يقول وقتي قريب وعندك أصنع الفصح مع تلاميذي (متى 18:26). ولقد كان بيته أول كنيسة مسيحية حيث فيه أكلوا الفصح وفيه اختبأوا بعد موت السيد المسيح وفي عليته حلّ عليهم الروح القدس.
وُلد هذا القديس في ترنا بوليس (من الخمس مدن الغربية بشمال إفريقية) من أب اسمه أرسطو بولس وأم اسمها مريم. اسرائيلي المذهب وذي يسار وجاه عريض، فعلماه وهذباه بالآداب اليونانية والعبرانية ولُقب بمرقس بعد نزوح والديه إلى أورشليم حيث كان بطرس قد تلمذ للسيد المسيح. ولأن بطرس كان متزوجاً بابنة عم أرسطو بولس فكان مرقس يتردد على بيته كثيراً ومنه درس التعاليم المسيحية.
وحدث أن أرسطو بولس وولده مرقس كانا يسيران بالقرب من الأردن وخرج عليهما أسد ولبؤة وهما يزمجران فخاف أبوه وأيقن بالهلاك ودفعته الشفقة على ولده أن يأمره بالهروب للنجاة بنفسه ولكن مرقس طمأنه قائلاً لا تخف يا أبي فالمسيح الذي أنا مؤمن به ينجينا منهما. ولما اقتربا منهما صاح بهما القديس قائلاً “السيد المسيح ابن الله الحي يأمركما أن تنشقا وينقطع جنسكما من هذا الجبل.” فانشقا ووقعا على الأرض مائتين فتعجب والده وطلب من ابنه أن يعرفه عن المسيح فأرشده إلى ذلك وآمن والده وعمده بالسيد المسيح له المجد.
وبعد صعود السيد المسيح استصحبه بولس وبرنابا للبشارة بالإنجيل في أنطاكية وسلوكية وقبرص وسلاميس وبرجة بمفيلية حيث تركهما وعاد إلى أورشليم وبعد انتهاء المجمع الرسولي بأورشليم استصحبه معه برنابا إلى قبرص.
وبعد نياحة برنابا ذهب مرقس بأمر السيد المسيح إلى إفريقية وبرقة والخمس مدن الغربية. ونادى في تلك الجهات بالإنجيل فآمن على يده أكثر أهلها ومن هناك ذهب الى الإسكندرية في أول بشنس سنة 61م. وعندما دخل المدينة انقطع حذاؤه وكان عند الباب اسكافي اسمه إنيانوس ، فقدم له الحذاء وفيما هو قائم بتصليحه جرح المخراز إصبعه فصاح من الألم وقال باليونانية “اس ثيؤس” (يا الله الواحد) فقال له القديس مرقس: “هل تعرفون الله؟” فقال “لا، وانما ندعو باسمه ولا نعرفه”. فتفل على التراب ووضع على الجرح فشفي للحال، ثم أخذ يشرح له من بدء ما خلق الله السماء والأرض بمخالفة آدم ومجيء الطوفان إلى ارسال واخراج بني اسرائيل من مصر واعطائهم الشريعة وسبي بابل ثم سرد له نبوات الأنبياء الشاهدة بمجيئ المسيح فدعاه إلى بيته وأحضر له أولاده فوعظهم جميعاً وعمدهم باسم الآب والابن والروح القدس.
ولما كثر المؤمنون باسم المسيح وسمع أهل المدينة بهذا الأمر جدوا في طلبه لقتله. فرسم انيانوس أسقفاً وثلاثة قسوس وسبعة شمامسة ثم سافر الى الخمس مدن الغربية وأقام هناك سنتين يبشر ويرسم أساقفة وقسوساً وشمامسة.
وعاد الى الإسكندرية فوجد المؤمنين قد ازدادوا وبنوا لهم كنيسة في الموضع المعروف ببوكوليا (دار البقر) شرقي الإسكندرية على شاطئ البحر وحدث وهو يحتفل بعيد الفصح يوم تسعة وعشرين برمودة سنة 68م، وكان الوثنيون في اليوم نفسه يعيدون لإلههم سرابيس، انهم خرجوا من معبدهم الى حيث القديس فقبضوا عليه وطوقوا عنقه بحبل وكانوا يسحبونه وهم يصيحون “جروا الثور في دار البقر” فتناثر لحمه وتلطخت ارض المدينة من دمه المقدس وفي المساء أودعوه السجن فظهر له ملاك الرب فقال له: “افرح يا مرقس عبد الإله، هوذا اسمك قد كتب في سفر الحياة، وقد حُسبن ضمن جماعة القديسين”. وتوارى عنه الملاك ثم ظهر له السيد المسيح واعطاه السلام فابتهجت نفسه وتهللت.
وفي اليوم التالي (30 برمودة) اخرجوه من السجن وأعادوا سحبه في المدينة حتى أسلم روحه الطاهرة ولما أضرموا ناراً عظيمة لحرقه حدثت زلازل ورعود وبروق وهطلت أمطار غزيرة فارتاع الوثنيون وولوا مذعورين. وأخذ المؤمنون جسده المقدس الى الكنيسة التي شيدوها وكفنوه وصلوا عليه وجعلوه في تابوت ووضعوه في مكان خفي من هذه الكنيسة.
صلاة هذا القديس العظيم والكاروز الكريم تكون معنا آمين.