في اليوم الثاني والعشرون من شهر برمودة من سنة 535 للشهداء (819م)، تنيح الأب المغبوط البابا مرقس الثاني، البطريرك التاسع والأربعين من بطاركة الكرازة المرقسية. ولد بالإسكندرية وأحب الفضيلة، فرسمه البابا يوأنس شماساً ثم قساً، وسلم له تدبير البطريركية وظل قائماً على هذه المسئولية الى وقت نياحة البابا يوأنس، فتشاوروا ليرسموه بطريركاً فهرب، وعندما وجدوه قيدوه ورسموه في الإسكندرية بطريركاً في الثاني من أمشير 515 للشهداء (799م). وفي يوم رسامته شرح للشعب أسباب رفض قرارات مجمع خلقيدونية. وبعد انتهاء الرسامة سافر الى دير الزجاج ليعتكف. وبعد عودته قابل الوالي بالفسطاط الذي أكرمه وأجابه الى طلبه ببناء الكنائس وترميم المتهدم منها. وقد أعاد البابا مرقس بناء كنيسة إبسوتير (المخلص) وكرسها بمدينة الإسكندرية، وفي أيامه ظهر جراد في الإسكندرية والبحيرة، أتلف ثمار الأرض والكروم، فأمر الشعب أن يخرجوا بالبخور والصلبان والأناجيل ويسألوا الله ان يرفع غضبه، وخرج معهم الى موضع الجراد، وصلوا حتى هرب الجراد وسقط في البحر غارقاً.
وبعد وفاة هارون الرشيد اختصم ابناه على الخلافة. فكان المأمون هو الأكبر، إلا أن أمه كانت جارية، بينما الأمين، ابن الحرة، كان الأصغر. وتحول الخصام الى حرب طاحنة. وعَيّن كل من الأخوين والياً ليحكم مصر باسمه، فانتصر أنصار والي الأمين وقتلوا والي المأمون. وأثناء التطاحن رأى الامبراطور بالقسطنطينية ان الفرصة مواتية، فأرسل أسطوله ليغزو دمياط أملاً في استرجاع حكمه على مصر. وفي نفس الوقت انتهز أحد الخوارج الفرصة وأعلن نفسه والياً على مصر.
بعد ذلك جاء خمسة عشر ألفاً من الأندلسيين الى مصر، بعد أن فشلت ثورتهم ضد الخليفة الأموي الذي أمر بنفيهم. ورغم انهم وجدوا الاستقرار في مصر، لكنهم أفسدوها بإضرام النار في بيوت العبادة، وتحرشوا بالمصريين، وانقضوا على بعض الجزر التي كانت تابعة لليونانيين، وأخذوا يسلبون وينهبون ويخطفون الرجال والنساء والأطفال ثم يبيعونهم في الإسكندرية. وقد اشترى البابا منهم ستة آلاف وكان يخيرهم بين العودة الى بلادهم غلى نفقته، أو البقاء في مصر حيث سلمهم الى معلمين موثوق بهم في العقيدة. وكان البابا يعزي شعبه في هذه المحن. وبعد أن ضيّق الأندلسيين عليه الخناق، غادر الإسكندرية وظل يتنقل خمس سنوات بين المدن، ثم ارسل الأرخن “مكاري الأمير” الى “عبد العزيز” والي المشرق، الذي أعطاه خطاباً باستضافة البابا بمنزله بنبروه، ريثما يتمكن من أحلال الأمن.
وفي أواخر أيام هذا البابا أغار البربر على أديرة وادي النطرون، وقتلوا الرهبان وهدموا القلالى والكنائس، فبكي البابا الى الله وتضرع أن يُنهي حياته، فأخذته حُمى وتنيح بسلام بعد أن امضى على الكرسي المرقسي عشرين سنة وشهرين وواحداً وعشرين يوما.
الحاكم : هارون الرشيد 786 ـ 809م محمد بن هارون 809 ـ 813م عبداللَّه بن هارون 813 ـ 833م